موضوع: لو استيقظت ليلا الخميس ديسمبر 20, 2012 5:28 pm
لابد و أن من سيكتب الآتي هو من تيار فكر و فلسفة . لذا نبدأ منهم فنقول لو افترضنا أننا على ما نحن عليه فلاسفة . و استيقظنا من النوم ذات يوم فكان الناس كلهم أرسطو و أفلاطون و سقراط . بلا شك سنكون كذلك الذي لم يستطع أن يكون في عقله على نفس مستوانا اليوم . ولو كان الوصف الذي يجوز عليه بنظرنا غبيا أو ساذجا أو سطحيا .. فهل سنتصف على ما نحن عليه الآن بتلك الأوصاف في ذلك اليوم المشئوم أو الجميل ؟ أو ربما يأخذ دور السفسطائيين فتجد ما تذمهم به و تعود لمنصبك. أو نقول إن الطيبة هي أهم شيء . أو رب[size=16]ما نتعلم منهم .[/size] أليس [size=16]بمثل هذا كانت قصة موسى مع الخضر ؟
في نفس المعنى : لو كنت لاعب كرة أساسي في الزمالك أو الهلال أو حتى بعض الأندية الأوربية و استيقظت و إذا بكل لاعبي ناديك و الأندية عموما في مستوى ميسي و أوزيل. فتحولت إلى الاحتياط ثم إلى الاحباط ثم خرجت من النادي لتعود تلعب الكرة أمام بيتكم و مع شباب حارتكم . و ما المشكلة ؟
و في نفس المعنى ماذا لو استيقظ أحد الدعاة على الناس يوما و هم على خلق أبي بكر و عمر و حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ليسوا برسل . هل سيشعر بضعف تدينه ؟ أخشى أنه سينصب نفسه كحاله الآن موجها لهم و قائدا للخلاص. . . الكمبيوتر القديم الذي كان في وقته غالي و ذو مواصفات عالية بهارديسك أربعة جيجا و الذي قد يورثك ثقة و فخرا بامتلاكه يصبح اليوم بلا قيمة و هكذا الطائرات القديمة و الجوالات القديمة تتحول تحولا كبيرا من الانبهار و التفاخر بها إلى أن تصبح محلا للسخرية . لماذا ؟ هل كنا سنشعر بميزة الجديد لولا عيب و تأخر القديم؟ ألا يستحق بهذا الشعور وحده أن نقدم شكرنا له ؟ أيضا هل كان سيأتي الآي فون لولا ذلك التيلفون القديم الذي اخترعه أنطونيو ميوتشي ؟ لماذا ينقم شخص على عالم كتب لعصره ؟ ألا يكفي أنه حاول ؟ ألا يكفي أننا قد نستفيد منه في أقل حالاته ما ينقل عن إديسون أن نجاحه كان من حيث اكتشافه طرقا كثيرة لا يعمل بها المصباح .؟ ............ كأن الناس سلسلة عظيمة من جبال متفاوتات . و كل جبل ينظر للآخر فيقيس قمته و مناطقه المرتفعة بالأماكن المنخفضة للآخر ليقول أنا جبل عالي القمة . يبحث المفكر أو الفيلسوف عن تابع ليسخر منه . و يبحث التابع صاحب العلاقات الاجتماعية عن انعزالي ليرضي نفسه . و يبحث الانعزالي المتفوق في دراسته عن طالب راسب ليرضي نفسه منه . و يبحث الراسب عن جبان ضعيف ليعجبه بشجاعة نفسه . و يبحث الملحد عن متدينين بسطاء ليشعر أنه حر و أفضل منهم . و يبحث المتدين عن فاسق ليقلل من شأنه و يرضي ذاته . و ربما بحث الفاسق عن فارق دقيق بينه و بين بائع خمر أو حشيش ليقول أنا على الأقل لا أضل غيري . و الديلر البائع يقول أنا لم أجبر أحدا ولم أعتد على أحد كالسارق و القاتل . و القاتل يقول أنا أقتل صحيح لكن ...لكن ماذا؟ أنا لا أدري ماذا بعد ذلك !
تبحث المنقبة عن محجبة لتشعر أنها أتقى منها . و تبحثان معا عن كاشفة لتشعران أنهما أخير . قد تكون الأخيرة أفضل منهم في بر والديها و في حسن تعاملها مع الناس . و هما تكونان صاحبات غيبة و نميمة و سيئات في تعاملهم مع الناس.
ألا ينشأ هنا سؤال أيضا من أين أتت هذه المعايير و القيم أصلا ؟ لماذا يبحث الجبل عن منطقة أخفض من قمته؟ لِم لا يكون المنخفض أفضل من المرتفع ؟ فيقارن الجبل العالي منخفضه بقمة جبل أصغر منه ليقول مفتخرا أنا أخفض منه ؟
و إذا النهار لم يعرف نوره إلا من الليل و الشيء يعرف من نقيضه . ألا يكون من فوائد القبيح أن به نميز الحسن ؟ يظهر هنا أيضا فائدة للمصائب و النقم كالأمراض و الفقر و الحرب فبها تعرف نعم الصحة و العافية و الغنى و الأمن ولما تعرف يستلذ بها .
ولو نلاحظ فإن كثير من الأمور نفعلها و غايتها شعور . و بـالشعور وحده تفوق القانع بالقليل على الطامع بالكثير و إن كان الأخير أكثر مالا منه فنتجت مقولة "القناعة كنز لا يفنى " . و هنا يضح وهم النزعة بأن رضائها سيهبنا شعورا حسنا قد نسميه السعادة . فلما نحاول أن نرضيها نجدنا نغذيها فتقوى سلطتها و تحكم سطوتها . و كأن نزعاتنا ملوكا يعطوننا وعودا بالسعادة و الحرية و لهم نزعات تقوم على حسابنا واستعبادنا . فيكون الطامع عاملا عند هذا الملك حياة طويلة و متعبة و مشقة يجمع له الأموال ليرضيه فيخلف الملك وعده كل مرة و يطلب المزيد و بهذا المال الذي أخذه يجند و يعد و يتوسع في ملكه فيقوى ملكه و سطلته و بالتالي نزداد ضعفا أمامه . و نظل نأمل فيه أنه سيمنحنا هذا الشعور يوما و سيحررنا . بينما يعيش القانع هذا الشعور دون أدنى مشقة حرا طليقا سعيدا . . و إن كان الشعور بالجوع يوجهنا للبحث عن الطعام و يثبت لنا حاجتنا إليه ووجوده لنتخلص من ذلك الشعور المؤلم . فإن السعادة تأخذ دور الطعام و إن كانت شعورا و الشوق لها هو الجوع . فإنك ما إن وجدت السعادة قتلت ذلك الشعور المؤلم الذي هو الشوق لها كقتلك شعور الجوع المؤلم بالأكل . و إنك بعد تجاوزك مرحلة القضاء على الجوع تطئمن فيكون بعد الاطمئنان التلذذ بالطعام . و مثله لما تقتل شعور الشوق إلى السعادة فـتطمئن بأنك امتلكتها و ما بعد الاطمئنان إلا الرضى وكأن الطمأنينة هنا حد فاصل بين الدنيا و جنة الخلد .
وفي النهاية فالجبال لابد و أن فيها قمما عالية حقا و جبالا عظيمة ، و راسخة و باقية . و في المقابل هناك جبال صغيرة لا تظهر و تختفي خلف العظماء فمن هم العظماء ؟ و أين هي السعادة ؟ لابد لها من ط[size=16]ريق كحقيقة الشوق إليها و[/size] للعظمة معايير حقيقية كحقيقة الشعور و الوجود . [/size]